فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ}
وقرأ الأخوان وحفص: {لفتيانه} وباقي السبعة {لفتيته} فالكثرة على مراعاة المأمورين، والقلة على مراعاة المتأوّلين.
فهم الخدمة الكائلون أمرهم بجعل المال الذي اشتروا به الطعام في رحالهم مبالغة في استمالتهم لعلهم يعرفونها أي: يعرفون حق ردها، وحق التكرم بإعطاء البدلين فيرغبون فينا إذا انقلبوا إلى أهلهم، وفرغوا ظروفهم.
ولعلهم يعرفونها تعليق بالجعل، ولعلهم يرجعون تعليق بترجي معرفة البضاعة للرجوع إلى يوسف.
قيل: وكانت بضاعتهم النعال والأدم.
وقيل: يرجعون متعد، فالمعنى لعلهم يردون البضاعة.
وقيل: تخوف أن لا يكون عند أبيه من المتاع ما يرجعون به.
وقيل: علم أن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة، لا يستحلون إمساكها فيرجعون لأجلها.
وقيل: جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك، ليتبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة.
قال ابن عطية: ويظهر أن ما فعله يوسف من صلتهم وجبرهم في تلك الشدة كان واجبًا عليه، إذ هو ملك عادل وهم أهل إيمان ونبوة.
{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
مار يمير، وأمار يمير، إذا جلب الخير وهي الميرة قال:
بعثتك مائرًا فمكثت حولًا ** متى يأتي غياثك من تغيث

{فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين}: أي: رجعوا من مصر ممتارين، بادروا بما كان أهم الأشياء عندهم من التوطئة لإرسال أخيهم معهم، وذلك قبل فتح متاعهم وعلمهم بإحسان العزيز إليهم من رد بضاعتهم.
وأخبروا بما جرى لهم مع العزيز الذي على إهراء مصر، وأنهم استدعى منهم العزيز أن يأتوا بأخيهم حتى يتبين صدقهم أنهم ليسوا جواسيس، وقولهم: منع منا الكيل، إشارة إلى قول يوسف: فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي.
ويكون منع يراد به في المستأنف، وإلا فقد كيل لهم.
وجاؤوا أباهم بالميرة، لكنْ لما أنذروا بمنع الكيل قالوا: منع.
وقيل: أشاروا إلى بعير بنيامين الذي منع من الميرة، وهذا أولى بحمل منع على الماضي حقيقة، ولقولهم: فأرسل معنا أخانا نكتل، ويقويه قراءة يكتل بالياء أي: يكتل أخونا، فإنما منع كيل بعيره لغيبته، أو يكن سببًا للاكتيال.
فإن امتناعه في المستقبل تشبيه، وهي قراءة الأخوين.
وقرأ باقي السبعة بالنون أي: نرفع المانع من الكيل، أو نكتل من الطعام ما نحتاج إليه، وضمنوا له حفظه وحياطته.
قال: هل آمنكم، هذا توقيف وتقرير.
وتألم من فراقه بنيامين، ولم يصرح بمنعه من حمله لما رأى في ذلك من المصلحة.
وشبه هذا الائتمان في ابنه هذا بائتمانه إياهم في حق يوسف.
قلتم فيه: وإنا له لحافظون، كما قلتم في هذا، فأخاف أن تكيدوا له كما كدتم لذلك، لكن يعقوب لم يخف عليه كما خاف على يوسف، واستسلم لله وقال: فالله خير حفظًا، وقرأ الأخوان وحفص: {حافظًا} اسم فاعل، وانتصب {حفظًا} و{حافظًا} على التمييز، والمنسوب له الخير هو حفظ الله، والحافظ الذي من جهة الله.
وأجاز الزمخشري أن يكون حافظًا حالًا، وليس بجيد، لأن فيه تقييد خير بهذه الحال.
وقرأ الأعمش: {خير حافظ} على الإضافة، فالله تعالى متصف بالحفظ وزيادته على كل حافظ.
وقرأ أبو هريرة: {خير الحافظين} كذا نقل الزمخشري.
وقال ابن عطية: وقرأ ابن مسعود، {فالله خير حافظًا وهو خير الحافظين.}
وينبغي أن تجعل هذه الجملة تفسيرًا لقوله: {فالله خير حافظًا} لا أنها قرآن.
وهو أرحم الراحمين اعتراف بأن الله هو ذو الرحمة الواسعة، فأرجو منه حفظه، وأن لا يجمع على مصيبته ومصيبة أخيه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالَ} يوسف: {لِفِتْيَانِهِ} غلمانه الكيالين جمع فتى وقرئ {لفِتيته} وهي جمعُ قلةٍ له: {اجعلوا بضاعتهم في رِحَالِهِمْ} فإنه وكّل بكل رجل رجلًا يعبِّئ فيه بضاعتَهم التي شرَوا بها الطعامَ وكانت نعالًا وأدَمًا وإنما فعله عليه السلام تفضّلًا عليهم وخوفًا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجِعون به مرة أخرى وكل ذلك لتحقيق ما يتوخاه من رجوعهم بأخيه كما يُؤذن به قوله: {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا} أي يعرِفون حقَّ ردِّها والتكرم في ذلك أو لكي يعرِفوها وهو ظاهرُ التعلق بقوله: {إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ} فإن معرفتَهم لها مقيّدةٌ بالرجوع وتفريغِ الأوعية قطعًا، وأما معرفةُ حقِّ التكرم في ردها فهي وإن كانت في ذاتها غيرَ مقيدةٍ بذلك لكن لما كان ابتداؤها حينئذ قُيّدت به: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} حسبما أمرتهم به فإن التفضلَ عليهم بإعطاء البدلين ولاسيما عند إعوازِ البِضاعةِ من أقوى الدواعي إلى الرجوع، وما قيل إنما فعله عليه السلام لما لم يرَ من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمنًا فكلامٌ حقٌّ في نفسه ولكن يأباه التعليلُ المذكور، وأما أن عِلّية الجعل المذكورِ للرجوع من حيث أن ديانتَهم تحمِلُهم على رد البضاعةِ لأنهم لا يستحِلّون إمساكها فمدارُه حُسبانُهم أنها بقِيت في رحالهم نسيانًا وظاهرٌ أن ذلك مما لا يخطر ببال أحد أصلًا فإن هيئة التعبيةِ تنادي بأن ذلك بطريق التفضّل، ألا يرى أنهم كيف جزموا بذلك حين رأوها وجعلوا ذلك دليلًا على التفضلات السابقة كما ستحيط به خبرًا {فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ} قبل أن يشتغلوا بفتح المتاع: {قَالُواْ يأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الكيل} أي فيما بعد، وفيه ما لا يخفى من الدلالة على كون الامتيار مرةً بعد مرة معهودًا فيما بينهم وبينه عليه السلام: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} بنيامين إلى مصر وفيه إيذانٌ بأن مدارَ المنع عدمُ كونِه معهم: {نَكْتَلْ} بسببه من الطعام ما نشاء. وقرأ حمزةُ والكسائي بالياء على إسناده إلى الأخ لكونه سببًا للاكتيال أو يكتلْ لنفسه مع اكتيالنا: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} من أن يصيبَه مكروهٌ.
{قَالَ هَلْ امَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ}
يوسف: {مِن قَبْلُ} وقد قلتم في حقه أيضًا ما قلتم ثم فعلتم به ما فعلتم فلا أثق بكم ولا بحفظكم وإنما أفوّض الأمر إلى الله: {فالله خَيْرٌ حافظا} وقرئ {حِفظً} ا، وانتصابُهما على التمييز، والحالية على القراءة الأولى توهم تقيّد الخيريةِ بتلك الحالة: {وَهُوَ أَرْحَمُ الرحمين} فأرجو أن يرحمني بحفظه ولا يجمعَ عليّ مصيبتين، وهذا كما ترى ميلٌ منه عليه السلام إلى الإذن والإرسالِ لما رأى فيه من المصلحة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ}
{وَقَالَ} يوسف عليه السلام: {لِفِتْيَانِهِ} لغلمانه الكيالين كما قال قتادة وغيره أو لأعوانه الموظفين لخدمته كما قيل، وهو جمع فتى أو اسم جمع له على قول وليس بشيء، وقرأ أكثر السبعة {لفتيته} وهو جمع قلة له، ورجحت القراءة الأولى بأنها أوفق بقوله: {اجعلوا بضاعتهم في رِحَالِهِمْ} فإن الرحال فيه جمع كثرة ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد فينبغي أن يكون في مقابلة صيغة جمع الكثرة، وعلى القراءة الأخرى يستعار أحد الجمعين للآخر.
روى أنه عليه السلام وكل بكل رحل رجلًا يعبى فيه بضاعتهم التي اشتروا بها الطعام وكانت نعالًا وادمًا؛ وأصل البضاعة قطعة وافرة من المال تقتني للتجارة والمراد بها هنا ثمن ما اشتروه.
والرحل ما على ظهر المركوب من متاع الراكب وغيره كما في البحر، وقال الراغب: هو ما يوضع على البعير للركوب ثم يعبر به تارة عن البعير وأخرى عما يجلس عليه في المنزل ويجمع في القلة على أرحلة، والظاهر أن هذا الأمر كان بعد تجهيزهم، وقيل: قبله ففيه تقديم وتأخير ولا حاجة إليه، وإنما فعل عليه السلام ذلك تفضلًا عليهم وخوفًا أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به مرة أخرى وكل ذلك لتحقيق ما يتوخاه من رجوعهم بأخيهم كما يؤذن به قوله: {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا} أي يعرفون حق ردها والتكرم بذلك فلعل على ظاهرها وفي الكلام مضاف مقدر، ويحتمل أن يكون المعنى لكي يعرفوها فلا يحتاج إلى تقدير وهو ظاهر التعلق بقوله: {إِذَا انقلبوا} أي رجعوا: {إلى أَهْلِهِمْ} فإن معرفتهم لها مقيدة بالرجوع وتفريغ الأوعية قطعًا، وأما معرفة حق التكرم في ردها وإن كانت في ذاتها غير مقيدة بذلك لكن لما كان ابتداؤها حينئذ قيدت به: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} حسبما طلبت منهم، فإن التفضل بإعطاء البدلين ولاسيما عند إعواز البضاعة من أقوى الدواعي إلى الرجوع، وقيل: إنما فعله عليه السلام لما أنه لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمنًا وهو الكريم ابن الكريم وهو كلام حق في نفسه ولكن يأباه التعليل المذكور، ومثل في هذا ما زعمه ابن عطية من وجوب صلتهم وجبرهم عليه عليه السلام في تلك الشدة إذ هو ملك عادل وهم أهل إيمان ونبوة، وأغرب منه ما قيل: إنه عليه السلام فعل ذلك توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك ليتبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة، ووجه بعضهم علية الجعل المذكور للرجوع بأن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة لاحتمال أنه لم يقع ذلك قصدًا أو قصدًا للتجربة فيرجعون على هذا إما لازم وإما متعد، والمعنى يرجعونها أي يردونها، وفيه أن هيئة التعبية تنادي بأن ذلك بطريق التفضل فاحتمال غيره في غاية البعد، أنهم كيف جزموا بذلك حين رأوها وجعلوا ذلك دليلًا على التفضلات السابقة كما ستحيط به خبرًا إن شاء الله تعالى.
{فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ يأَبَانَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الكيل} أي حكم بمنعه بعد اليوم إن لم نذهب بأخينا بنيامين حيث قال لنا الملك: {فإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْفَ لَكُمْ عِندِى} [يوسف: 60] والتعبير بذلك عما ذكر مجاز والداعي لارتكابه أنه لم يقع منع ماض، وفيه دليل على كون الامتيار مرة بعد أخرى كان معهودًا بينهم وبينه عليه السلام، وقيل: إن الفعل على حقيقته والمراد منع أن يكال لأخيهم الغائب حملًا آخر ورد بغيره غير محمل بناء على رواية أنه عليه السلام لم يعط له وسقًا: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} بنيامين إلى مصر، وفيه إيذان بأن مدار المنع على عدم كونه معهم: {نَكْتَلْ} أي من الطعام ما نحتاج إليه، وهو جواب الطلب، قيل: والأصل يرفع المانع ونكتل فالجواب هو يرفع إلا أنه رفع ووضع موضع يكتل لأنه لما علق المنع من الكيل بعدم إتيان أخيهم كان أرساله رفعًا لذلك المانع، ووضع موضعه ذلك لأنه المقصود، وقيل: إنه جيء بآخر الجزأين ترتبًا دلالة على أولهما مبالغة، وأصل هذا الفعل نكتيل على وزن نفعيل قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
ومن الغريب أنه نقل السجاوندي أنه سأل المازني ابن السكيت عند الواثق عن وزن نكتل فقال: نفعل فقال المازني: فإذًا ماضيه كتل فخطأه على أبلغ وجه.
وقرأ حمزة والكسائي: {يكتل} بياء الغيبة على إسناده للأخ مجازًا لأنه سبب للاكتيال أو يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا، وقوي أبو حيان بهذه القراءة القول ببقاء منع على حقيقته ومثله الإمام: {وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لحافظون} من أن يصيبه مكروه، وهذا سد لباب الاعتذار وقد بالغوا في ذلك كما لا يخفى، وفي بعض الأخبار ولا يخفى حاله أنهم لما دخلوا على أبيهم عليه السلام سلموا عليه سلامًا ضعيفًا فقال لهم: يا بني ما لكم تسلمون علي سلامًا ضعيفًا وما لي لا أسمع فيكم صوت شمعون فقالوا: يا أبانا جئناك من عند أعظم الناس ملكًا ولم ير مثله علمًا وحكمًا وخشوعًا وسكينة ووقارًا ولئن كان لك شبه فإنه يشبهك ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء إنه اتهمنا وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بنيامين برسالة منك تخبره عن حزنك وما الذي أحزنك وعن سرعة الشيب إليك وذهاب بصرك وقد منع منا الكيل فيما يستقبل إن لم نأته بأخينا فأرسله معنا نكتل وإنا له لحافظون حتى نأتيك به.
{قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ} استفهام إنكاري و: {آمَنُكُمْ} بالمد وفتح الميم ورفع النون مضارع من باب علم وأمنه وائتمنه بمعنى أي ما ائتمنكم عليه: {إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ} أي إلا ائتمانًا مثل ائتماني إياكم: {مِنْ أَخِيهِ} يوسف: {مِن قَبْلُ} وقد قلتم أيضًا في حقه ما قلتم ثم فعلتم به ما فعلتم فلا أثق بكم ولا بحفظكم وإنما أفوض أمري إلى الله تعالى: {فالله خَيْرٌ حافظا وَهُوَ أَرْحَمُ الرحمين} فأرجو أن يرحمني بحفظه ولا يجمع على مصيبتين، وهذا كما ترى ميل منه عليه السلام إلى الإذن والإرسال لما رأى فيه من المصلحة، وفيه أيضًا من التوكل على الله تعالى ما لا يخفى، ولذا روى أن الله تعالى قال: وعزتي وجلالي لأردهما عليك إذ توكلت علي، ونصب: {حافظا} على التمييز نحو لله دره فارسًا، وجوز غير واحد أن يكون على الحالية.
وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بجيد لما فيه من تقييد الخيرية بهذه الحالة.
ورد بأنها حال لازمة مؤكدة لا مبينة ومثلها كثير مع أنه قول بالمفهوم وهو غير معتبر ولو اعتبر ورد على التمييز وفيه نظر، وقرأ أكثر البسعة: {حافظا} ونصبه على ما قال أبو البقاء على التمييز لا غير.
وقرأ الأعمش: {خَيْرٌ حافظا} على الإضافة وإفراد: {حَافِظٌ} وقرأ أبو هريرة: {خَيْرٌ} على الإضافة والجمع، ونقل ابن عطية عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ: {فالله خَيْرٌ حافظا وَهُوَ خَيْرٌ} قال أبو حيان: وينبغي أن تجعل جملة: {بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ} الخ تفسيرًا للجملة التي قبلها لا أنها قرآن وقد مر تعليل ذلك. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} أي: لخدامه الكيالين: {اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} يعني ببضاعتهم، ما شروا به الطعام. روي أنها كانت فضة. أي: اجعلوها في أمتعتهم من حيث لا يشعرون: {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا} أي: لكي يعرفونها: {إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ} أي: وفتحوا أوعيتهم: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: حسبما أمرتهم به، فإن التفضل عليهم بإعطاء البدلين من أقوى الدواعي إلى الرجوع.
{فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} أي: أنذرنا بمنعه بعد هذا، إن لم نأت بأخينا: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} أي: نرفع المانع من الكيل، ونكتل من الطعام ما نحتاج إليه، وقرئ {يكتل} بالتحتية أي: أخونا لنفسه مع اكتيالنا: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: من أن يناله مكروه.
{قَالَ} أي: يعقوب لهم: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ} أي: من قبله، يوسف. يعني: هل أقدر أن آخذ عليكم العهد والميثاق، أكثر مما أخذت عليكم في يوسف، وقد قلتم: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: من الآية 12]، ثم خنتم بضمانكم؟ فما يؤمنني من مثل ذلك؟ فلا أثق بكم، ولا بحفظكم، وإنما أفوض الأمر إلى الله: {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} أي: منكم ومن كل أحد: {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أي: أرحم من والديه وإخوته، فأرجو أن يرحمني بحفظه. وهذا ميل منه إلى الإذن في إرساله معهم لما رأى فيه من المصلحة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجعلوا بضاعتهم في رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
قرأ الجمهور: {لفتيته} بوزن فعلة جمع تكسير فتى مثل أخ وإخوة.
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف: {لفتيانه} بوزن إخوان.